يقول الشيخ: (وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( وقد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في الأمة أحد فـعمر منهم ) )، والمحدث: هو الملهم، فيلقي الله تعالى الحق على قلبه ولسانه؛ فيقول الحق، وقد كان في الأمم قبلنا محدثون، والله تعالى قد اختار واصطفى هذه الأمة، ولا ريب أن اختيار الله واصطفاءه لها يدل على أن محدَّثها خير ممن قبلها، كما أن رسولها خير من الرسل قبله، وكما أن صديقها خير من الصديقين قبلها.. وهكذا.
والمقصود: هنا المحدث الكامل، وإلا فمجرد أن يوافق إنسان الحق في كلمة، أو موقف فهذا يقع لكثير من عباد الله المؤمنين كل بحسب درجته، لكن الذي بلغ الغاية بحيث يسمى محدثاً هو عمر .
ويقول أيضاً: (وروى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر )، وفي الحديث الآخر: ( إن الله ضرب الحق على لسان عمر ، وقلبه، وفيه ) )، وأيضاً روى أنه قال: ( لو كان بعدي نبي لكان عمر )؛ لأنه محدث، لكن لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم؛ فهو خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين.
يقول: (وكان علي بن أبي طالب يقول: [ ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ] )، والمراد بالسكينة: الملائكة.
يقول: (وقد ثبت هذا عنه من رواية الشعبي). ويريد الشيخ من هذا أن يرد على الرافضة ؛ لأنهم يشيعون أن علياً أكمل في التحديث من عمر ، فهذا الأثر من طريق الشعبي الذي يقول فيه الشيعة : إنه شيعي منهم، فـعلي يشهد هنا لـعمر .
يقول: (وقال ابن عمر : [ ما كان عمر يقول في شيء: إني لأراه كذا؛ إلا كان كما يقول ] )، وهذا فضل عظيم من الله: أن يرى عمر الرأي فيوافق الحق؛ بخلاف غيره من العلماء أو الحكام المجتهدين؛ فإنه يخطئ ويصيب، وإنما العبرة بكثرة الخطأ والصواب والخطأ وارد على عمر لكنه نادر، ولا نقول: إنه لا يخطئ، والشيخ يريد أن يقرر هذه الحقيقة، وإنما كان رضي الله عنه مشهوداً له بأن رأيه يوافق الحق.
يقول: (وعن قيس بن طارق قال: [كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسانه ملك] ). وهذه العبارة مثل عبارة علي رضي الله عنه.
قال: (وكان عمر يقول: [اقتربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا لما يقولون؛ فإنهم تتجلى لهم أمور صادقة] ).
(وهذه الأمور الصادقة التي أخبر بها عمر أنها تتجلى للمطيعين هي التي يكشفها الله لهم) وهي إلهام أو فراسة كما ذكر الشيخ فقال: (فقد ثبت أن لأولياء الله مخاطبات ومكاشفات) لكنها ليست من جنس مخاطبات ومكاشفات الصوفية ، فقد يلقي الله تعالى في قلبه، أو يبعث إليه من يكلمه ويكون هذا عين الحق، ويكون هذا من عند الله بمعيار ما جاء عن رسول الله، فيزن هذا بذاك.
يقول: (فأفضل هؤلاء في هذه الأمة) أي: أفضل هؤلاء الذين لهم من الله التحديث، والإلهام، والمكاشفة، والمخاطبة (بعد أبي بكر هو: عمر بن الخطاب)؛ لأن خير هذه الأمة بعد نبيها هما أبو بكر و عمر .
يقول: (وقد ثبت في الصحيح تعيين عمر بأنه محدَّث في هذه الأمة، فأي محدث ومخاطب فرض في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فـعمر أفضل منه) وهذه قاعدة مقررة يجب ألا يخالف فيها أي مسلم: أن محدَّث، أو مخاطب، أو مكاشف أطلعه الله على بعض الأمور، أو أعطاه فراسة قوية؛ فإن عمر أفضل منه، وأعلى درجة.